فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأبو الحسن يجيز المسألة بالفاء كما يجيزها بالواو انتهى، والمعنى وبالله لقد آتيناهما كتابًا جامعًا بين كونه فارقًا بين الحق والباطل وضياء يستضاء به في ظلمات الجهل والغواية وذكرا يتعظ به الناس ويتذكرون، وتخصيص المتقين بالذكر لأنهم المنتفعون به أو ذكر ما يحتاجون به من الشرائع والأحكام أو شرف لهم.
وقيل: الفرقان النصر كما في قوله تعالى: {يَوْمَ الفرقان} [الأنفال: 41] وأطلق عليه لفرقه بين الولي والعدو وجاء ذلك في رواية عن ابن عباس، والضياء حينئذ إما التوراة أو الشريعة أو اليد البيضاء، والذكر بأحد المعاني المذكورة.
وعن الضحاك أن الفرقان فلق البحر والفلق إخوان، وإلى الأول ذهب مجاهد، وقتادة وهو اللائق بمساق النظم الكريم فإنه لتحقيق أمر القرآن المشارك لسائر الكتب الإلهية لاسيما التوراة فيما ذكر من الصفات ولأن فلق البحر هو الذي اقترح الكفرة مثله بقولهم: {بَلْ قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ بَلِ} [الأنبياء: 5].
وقرأ ابن عباس، وعكرمة، والضحاك {ضِيَاء} بغير واو على أنه حال من {الفرقان} وهذه القراءة تؤيد أيضًا التفسير الأول {الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم} مجرور المحل على أنه صفة مادحة للمتقين أو بدل أو بيان أو منصوب أو مرفوع على المدح، والمراد على كل تقدير يخشون عذاب ربهم.
وقوله سبحانه: {بالغيب} حال من المفعول أي يخشون ذلك وهو غائب عنهم غير مرئي لهم ففيه تعريض بالكفرة حيث لا يتأثرون بالإنذار ما لم يشاهدوا ما أنذروه.
وقال الزجاج: حال من الفاعل أي يخشونه غائبين عن أعين الناس ورجحه ابن عطية.
وقيل: يخشونه بقلوبهم {وَهُمْ مّنَ الساعة مُشْفِقُونَ} أي خائفون بطريق الاعتناء، والجملة تحتمل العطف على الصلة وتحتمل الاستئناف، وتقديم الجار لرعاية الفواصل، وتخصيص إشفاقهم من الساعة بالذكر بعد وصفهم بالخشية على الإطلاق للإيذان بكونه معظم المخلوقات وللتنصيص على اتصافهم بضد ما اتصف به المستعجلون، وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على أن حالتهم فيما يتعلق بالآخرة الاشفاق الدائم.
{وهذا} أي القرآن الكريم أشير إليه بهذا للإيذان بسهولة تناوله ووضوح أمره، وقيل: لقرب مزمانه {ذُكِرَ} يتذكر به من تذكر وصف بالوصف الأخير للتوراة لمناسبة المقام وموافقته لما مر في صدر السورة الكريمة مع انطواء جميع ما تقدم في وصفه بقوله تعالى: {مُّبَارَكٌ} أي كثير الخبر غزير النفع؛ ولقد عاد علينا ولله تعالى الحمد من بركته ما عاد.
وقوله تعالى: {أنزلناه} إما صفة ثانية لذكر أو خبر آخر لهذا، وفيه على التقديرين من تعظيم أمر القرآن الكريم ما فيه {أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} إنكار لإنكارهم بعد ظهور كونه كالتوراة كأنه قيل أبعد أن علمتم أن شأنه كشأن التوراة أنتم منكرون لكونه منزلًا من عندنا فإن ذلك بعد ملاحظة حال التوراة مما لا مساغ له أصلًا وتقديم الجار والمجرور لرعاية الفواصل أو للحصر لأنهم معترفون بغيره مما في أيدي أهل الكتاب. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ}.
شروع في قصص الأنبياء، تسلية له صلوات الله عليه وعليهم، فيما يناله من أذى قومه، وتقوية لفؤاده على أداء الرسالة، والصبر على كل عارض دونها. قال أبو السعود: نوع تفصيل لما أجمل في قوله تعالى: {وما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} إلى قوله: {الْمُسْرِفِينَ} [7- 9]، وإشارة إلى كيفية إنجائهم وإهلاك أعدائهم. وتصديره بالتوكيد القسميّ لإظهار كمال الاعتناء بمضمونه. والمراد بالفرقان التوراة وكذا بالضياء والذكر. أي: وبالله لقد آتيناهما وحيًا ساطعًا وكتابًا جامعًا بين كونه فارقًا بين الحق والباطل. وضياءً يستضاء به في ظلمات الجهل وذكرًا يتعظ به الناس. وتخصيص المتقين بالذكر لأنهم المستضيئون بأنواره. انتهى {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} أي: يخافون عذابه وهو غير مشاهد لهم. وفيه تعريض بالكفرة حيث لا يتأثرون في الإنذار، ما لم يشاهدوا ما أنذروه: {وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} أي: وجلون أن تأتي الساعة التي تقوم فيها القيامة فيردوا على ربهم، قد فرّطوا في الواجب عليهم لله، فيعاقبهم بما لا قبل لهم به.
{وَهذا} أي: القرآن الكريم: {ذِكْرٌ} أي: يتذكر به من يتذكر: {مُبَارَكٌ} أي: كثير الخير والنفع: {أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} أي: مع ظهور كون إنزاله كإيتاء التوراة. وفي الاستفهام الإنكاري توبيخ لهم بأنه لا ينبغي لهم إنكاره وهم عارفون بمزايا إعجازه. وتقديم لَهُ للفاصلة أو للحصر. لأنهم معترفون بغيره مما في أيدي أهل الكتاب. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{وَهذا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن هذا القرآن العظيم {ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ} أي كثير البركات والخيرات. لأن فيه خير الدنيا والآخرة. ثم وبخ من ينكرونه منكِرًا عليهم بقوله: {أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ}. وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من أن هذا القرآن مبارك بينه في مواضع متعدِّدة من كتابه. كقوله تعالى في الأنعام: {وهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فاتبعوه واتقوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام: 155]، وقوله فيها أيضًا: {وهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ} [الأنعام: 92] الآية. وقوله تعالى في ص {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ليدبروا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الألباب} [ص: 29]، إلى غير ذلك من الآيات. فنرجو الله تعالى القريب المجيب: أن تغمرنا بركات هذا الكتاب العظيم المبارك بتوفيق الله تعالى لنا لتدبر آياته، والعمل بما فيها من الحلال والحرام، والأوامر والنواهي. والمكارم والآداب: امتثالًا واجتنابًا، إنه قريب مجيب. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)}.
عطف على جملة {بل قالوا أضغاث أحلام إلى قوله تعالى فليأتنا بآية كما أرسل الأولون} [الأنبياء: 5] لإقامة الحجة على المشركين بالدلائل العقلية والإقناعية والزجرية، ثم بدلائل شواهد التاريخ وأحوال الأمم السابقة الشاهدة بتنظير ما أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم بما أوتيه سلفه من الرسل والأنبياء، وأنه ما كان بِدْعًا من الرسل في دعوته إلى التوحيد تلك الدعوة التي كذبه المشركون لأجلها مع ما تخلل ذلك من ذكر عناد الأقوام، وثبات الأقدام، والتأييد من الملك العلاّم، وفي ذلك تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم على ما يلاقيه من قومه بأن تلك سنة الرسل السابقين كما قال تعالى: {سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا} في سورة [الإسراء: 77].
فجاء في هذه الآيات بأخبار من أحوال الرسل المتقدمين.
وفي سَوق أخبار هؤلاء الرسل والأنبياء تفصيل أيضًا لما بُنيت عليه السورة من قوله تعالى: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالًا يوحى إليهم} [الأنبياء: 7] الآيات، ثم قوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]، ثم قوله تعالى: {قل إنما أنذركم بالوحي} [الأنبياء: 45].
واتصالها بجميع ذلك اتصال محكم ولذلك أعقبت بقوله تعالى: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون}.
وابتدىء بذكر موسى وأخيه مع قومهما لأن أخبار ذلك مسطورة في كتاب موجود عند أهله يعرفهم العرب ولأن أثر إتيان موسى عليه السلام بالشريعة هو أوسع أثر لإقامة نظام أمة يلي عظمة شريعة الإسلام.
وافتتاح القصة بلام القسم المفيدة للتأكيد لتنزيل المشركين في جهل بعضهم بذلك وذهول بعضهم عنه وتناسي بعضهم إياه منزلة من ينكر تلك القصة. ومحل التنظير في هذه القصة هو تأييد الرسول صلى الله عليه وسلم بكتاب مبين وتلقي القوم ذلك الكتاب بالإعراض والتكذيب.
والفُرقَان: ما يُفرّق به بين الحق والباطل من كلام أو فعل.
وقد سمى الله تعالى يوم بدر يوم الفرقان لأن فيه كان مبدأ ظهور قوة المسلمين ونصرهم.
فيجوز أن يراد بالفرقان التوراة كقوله تعالى: {وآتيناهما الكتاب المستبين} في [سورة الصافات: 117].
والإخبار عن الفرقان بإسناد إيتائه إلى ضمير الجلالة للتنبيه على أنه لم يَعْد كونَه إيتاء من الله تعالى ووحيًا كما أوتي محمد عليه الصلاة والسلام القرآن فكيف ينكرون إيتاء القرآن وهم يعلمون أن موسى عليه السلام ما جاء إلا بمثله. وفيه تنبيه على جلالة ذلك المُوتَى.
ويجوز أن يراد بالفرقان المعجزات الفارقة بين المعجزة والسحر كقوله تعالى: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين} في [سورة غافر: 23].
ويجوز أن يراد به الشريعة الفارقة بين العدل والجور كقوله تعالى: {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون} في [سورة البقرة: 53].
وعلى الاحتمالات المذكورة تجيء احتمالات في قوله تعالى الآتي: {وضياء وذكرًا للمتقين}.
وليس يلزم أن تكون بعض هذه الصفات قسيمًا لبعض بل هي صفات متداخلة، فمجموع ما أوتيه موسى وهارون تتحقق فيه هذه الصفات الثلاث.
والضياء: النور.
يستعمل مجازًا في الهدى والعلم، وهو استعمال كثير، وهو المراد هنا وقد قال تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور} في [سورة المائدة: 44].
والذكر أصله: خطور شيء بالبال بعد غفلة عنه.
ويطلق على الكتاب الذي فيه ذكر الله، فقوله تعالى: {للمتقين} يجوز أن يكون الكلام فيه للتقوية فيكون المجرور باللام في معنى المفعول، أي الذين اتصفوا بتقوى الله، أي امتثال أوامره واجتناب ما نهى عنه، لأنه يذكرهم بما يجهلون وبما يذهلون عنه مما علموه ويجدد في نفوسهم مراقبة ربّهم.
ويجوز أن يكون اللام للعلة، أي ذكر لأجل المتقين، أي كتاب ينتفع بما فيه المتقون دون غيرهم من الضالين.
ووصفهم بما يزيد معنى المتقين بيانًا بقوله تعالى: {الذين يخشون ربهم بالغيب} وهو على نحو قوله تعالى: {هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب} في [سورة البقرة: 23].
والباء في قوله تعالى: {بالغيب} بمعنى في.
والغيب: ما غاب عن عيون الناس، أي يخشون ربهم في خاصتهم لا يريدون بذلك رياء ولا لأجل خوف الزواجر الدنيوية والمذمة من الناس.
والإشفاق: رجاء حادث مخوف.
ومعنى الإشفاق من الساعة: الإشفاق من أهوالها، فهم يعدُّون لها عُدَّتها بالتقوى بقدر الاستطاعة.
وفيه تعريض بالذين لم يهتدوا بكتاب الله تعالى بدلالة مفهوم المخالفة لقوله تعالى: {الذين يخشون ربهم بالغيب}.
فمن لم يهتد بكتاب الله فليس هو من الذين يخشون ربهم بالغيب، وهؤلاء هم فرعون وقومه.
وقد عقب هذا التعريض بذكر المقصود من سوق الكلام الناشىء هو عنه، وهو المقابلة بقوله تعالى: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون}.
واسم الإشارة يشير إلى القرآن لأن حضوره في الأذهان وفي التلاوة بمنزلة حضور ذاته.
ووصفه القرآن بأنه ذكر لأن لفظ الذكر جامع لجميع الأوصاف المتقدمة كما تقدم عند قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} في [سورة النحل: 44].
ووصف القرآن بالمبارك يعمّ نواحي الخير كلها لأن البركة زيادة الخير؛ فالقرآن كلّه خير من جهة بلاغة ألفاظه وحسنها وسرعة حفظه وسهولة تلاوته، وهو أيضًا خير لما اشتمل عليه من أفنان الكلام والحكمة والشريعة واللطائف البلاغية، وهو في ذلك كله آية على صدق الذي جاء به لأن البشر عجزوا عن الإتيان بمثله وتحدّاهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فما استطاعوا.
وبذلك اهتدت به أمم كثيرة في جميع الأزمان، وانتفع به مَن آمنوا به وفريق ممن حرموا الإيمان.
فكان وصفه بأنه مبارك وافيًا على وصف كتاب موسى عليه السلام بأنه فرقان وضياء.
وزاده تشريفًا بإسناد إنزاله إلى ضمير الجَلالة.
وجُعل الوحي إلى الرسول إنزالًا لما يقتضيه الإنزال من رفعة القدر إذْ اعتبر مستقِرًّا في العالم العلوي حتى أنزل إلى هذا العالم.
وفُرّع على هذه الأوصاف العظيمة استفهام توبيخي تعجيبي من إنكارهم صدق هذا الكتاب ومن استمرارهم على ذلك الإنكار بقوله تعالى: {أفأنتم له منكرون}.
ولكون إنكارهم صدقه حاصلًا منهم في حال الخطاب جيء بالجملة الاسمية ليتأتى جعل المسند اسمًا دالًا على الاتّصاف في زمن الحال وجَعْل الجملة دالة على الثبات في الوصف وفاءً بحق بلاغة النظم. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)}.
يريد الحق- تبارك وتعالى- أن يُسلِّي رسوله صلى الله عليه وسلم ويُخفِّف عنه مَا لاقاه من قومه، فيذكر له نماذج من إخوانه أُولِي العزم من الرسل الذين اضطهدهم أقوامهم، وآذوهم ليُسهِّل على رسول الله مهمته، فلا يصده إيذاء قومه عن غايته نحو ربه.
فبدأ بموسى- عليه السلام- لأنه من أكثر الرسل الذين تعبوا في دعوتهم، فقد تعب موسى مع المؤمنين به فضلًا عن الكافرين به، فقال سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وَهَارُونَ الفرقان} [الأنبياء: 48] لأن رسالتهما واحدة، وهم فيها شركاء: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} [القصص: 34] وقال: {اشدد بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي} [طه: 31- 32].
والفرقان: هو الفارق القوي بين شيئين؛ لأن الزيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى، كما تقول: غفر الله لفلان غفرانًا، وتقول: قرأت قراءة، وقرأة قرآنًا، فليست القراءة واحدة، ولا كل كتاب يُقرأ.
والفرقان من أسماء القرآن: {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1].
فالفرقان- إذن- مصدر يدلُّ على المبالغة، تقول: فرَّق تفريقًا وفرقانًا، فزيادة الألف والنون تدل على زيادة في المعنى، وأن الفَرْق في هذه المسألة فَرْق جليل وفَرْق واضح؛ لأن كونك تُفرِّق بين شيئين يترتب على ذلك خطورة في تكوين المجتمع وخطورة في حركة الحياة، فهذا فرقان؛ لذلك سَمَّي القرآن فرقانًا؛ لأنه يُفرِّق بين الحق والباطل.
ومن الفرقان، قوله تعالى: {يِا أَيُّهَا الذين آمنوا إِن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] وتقوى الله لا تكون إلا بتنفيذ أوامره وتعالى مه الواردة في القرآن الذي نزل على محمد، والفرقان هنا يعني: نور تُفَرِّق به بين الأشياء وتُميِّز به بين المتشابهات.
وعلى قَدْر ما تتقي الله باتباع الفرقان الأول يجعل لكم الفرقان الثاني، وتتكوَّن لديكم فراسة المؤمن وبصيرته، وتنزل عليكم الإشراقات التي تُسعِف المؤمن عندما يقع في مأزق.